responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 3  صفحه : 615
فَهُوَ عَلَى هَذَا الْكَلَامِ مُحَالٌ لَكِنَّ جِبْرِيلَ لَمَّا نَزَلَ مِنَ الْأَعْلَى إِلَى الْأَسْفَلِ وَأَخْبَرَ بِهِ سُمِّيَ ذَلِكَ إِنْزَالًا.
أَمَّا قَوْلُهُ: وَما يَكْفُرُ بِها إِلَّا الْفاسِقُونَ فَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: الْكُفْرُ بِهَا مِنْ وَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا: جُحُودُهَا مَعَ الْعِلْمِ بِصِحَّتِهَا. وَالثَّانِي: جُحُودُهَا مَعَ الْجَهْلِ وَتَرْكِ النَّظَرِ فِيهَا وَالْإِعْرَاضِ عَنْ دَلَائِلِهَا وَلَيْسَ فِي الظَّاهِرِ تَخْصِيصٌ فَيَدْخُلُ الْكُلُّ فِيهِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الْفِسْقُ فِي اللُّغَةِ خُرُوجُ الْإِنْسَانِ عَمَّا حُدَّ لَهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ [الْكَهْفِ: 50] وَتَقُولُ الْعَرَبُ لِلنَّوَاةِ: إِذَا خَرَجَتْ مِنَ الرُّطَبَةِ عِنْدَ سُقُوطِهَا فَسَقَتِ النَّوَاةُ، وَقَدْ يَقْرُبُ مِنْ مَعْنَاهُ الْفُجُورُ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ فُجُورِ السَّدِّ الَّذِي يَمْنَعُ الْمَاءَ مِنْ أَنْ يَصِيرَ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يَفْسُدُ [إِذَا صَارَ إِلَيْهِ] فَشَبَّهَ تَعَدِّي الْإِنْسَانِ مَا حُدَّ لَهُ إِلَى الْفَسَادِ بِالَّذِي فَجَّرَ السَّدَّ حَتَّى صَارَ إِلَى حَيْثُ يُفْسِدُ. فَإِنْ قِيلَ: أَلَيْسَ أَنَّ صَاحِبَ الصَّغِيرَةِ تَجَاوَزَ أَمْرَ اللَّهِ وَلَا يُوصَفُ بِالْفِسْقِ وَالْفُجُورِ؟ قُلْنَا: إِنَّهُ إِنَّمَا يُسَمَّى بِهِمَا كُلُّ أَمْرٍ يُعَظَّمُ مِنَ الْبَابِ الَّذِي ذَكَرْنَا لِأَنَّ مَنْ فَتَحَ مِنَ النَّهْرِ نَقْبًا يَسِيرًا لَا يُوصَفُ بِأَنَّهُ فَجَّرَ ذَلِكَ النَّهْرَ وَكَذَلِكَ الْفِسْقُ إِنَّمَا يُقَالُ: إِذَا عَظُمَ التَّعَدِّي. إِذَا ثَبَتَ هذا فنقول في قوله: إِلَّا الْفاسِقُونَ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّ كُلَّ كَافِرٍ فَاسِقٌ وَلَا يَنْعَكِسُ فَكَأَنَّ ذِكْرَ الْفَاسِقِ يَأْتِي عَلَى الْكَافِرِ وَغَيْرِهِ فَكَانَ أَوْلَى. الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مَا يُكَفَّرُ بِهَا إِلَّا الْكَافِرُ الْمُتَجَاوِزُ عَنْ كُلِّ حَدٍّ فِي كَفْرِهِ وَالْمَعْنَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ لَمَّا كَانَتْ بَيِّنَةً ظَاهِرَةً لَمْ يَكْفُرْ بِهَا إِلَّا الْكَافِرُ الَّذِي يَبْلُغُ فِي الْكُفْرِ إِلَى النِّهَايَةِ الْقُصْوَى وَتَجَاوَزَ عَنْ كُلِّ حد مستحسن في العقل والشرع.

[سورة البقرة (2) : آية 100]
أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (100)
اعْلَمْ أَنَّ هَذَا نَوْعٌ آخَرُ مِنْ قَبَائِحِهِمْ، وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَوْلُهُ: أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً وَاوُ عَطْفٍ دَخَلَتْ عَلَيْهِ هَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ وَقِيلَ الْوَاوُ زَائِدَةٌ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّهُ مَعَ صِحَّةِ مَعْنَاهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُحْكَمَ بِالزِّيَادَةِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : الْوَاوُ لِلْعَطْفِ عَلَى مَحْذُوفٍ مَعْنَاهُ: أَكَفَرُوا بِالْآيَاتِ وَالْبَيِّنَاتِ وَكُلَّمَا عَاهَدُوا، وَقَرَأَ أَبُو السَّمَّاكِ بِسُكُونِ الْوَاوِ عَلَى أَنَّ الْفَاسِقُونَ بِمَعْنَى الَّذِينَ فَسَقُوا فَكَأَنَّهُ قِيلَ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الَّذِينَ فَسَقُوا أَوْ نَقَضُوا عَهْدَ اللَّهِ مِرَارًا كَثِيرَةً وَقُرِئَ عُوهِدُوا وَعُهِدُوا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: الْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الِاسْتِفْهَامِ، الْإِنْكَارُ وَإِعْظَامُ مَا يُقْدِمُونَ عَلَيْهِ لِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ إِذَا قِيلَ بِهَذَا اللَّفْظِ كَانَ أَبْلَغَ فِي التَّنْكِيرِ وَالتَّبْكِيتِ وَدَلَّ بقول: أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَلَى عَهْدٍ بَعْدَ عَهْدٍ نَقَضُوهُ وَنَبَذُوهُ، بَلْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَالْعَادَةِ فِيهِمْ فَكَأَنَّهُ تَعَالَى أَرَادَ تَسْلِيَةَ الرَّسُولِ عِنْدَ كُفْرِهِمْ بِمَا أَنْزَلَ عَلَيْهِ مِنَ الْآيَاتِ بِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِبِدْعٍ مِنْهُمْ، بَلْ هُوَ سَجِيَّتُهُمْ وَعَادَتُهُمْ وَعَادَةُ سَلَفِهِمْ عَلَى مَا بَيَّنَهُ فِي الْآيَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِنْ نَقْضِهِمُ الْعُهُودَ وَالْمَوَاثِيقَ حَالًا بَعْدَ حَالٍ لِأَنَّ مَنْ يُعْتَادُ/ مِنْهُ هَذِهِ الطَّرِيقَةُ لَا يَصْعُبُ عَلَى النَّفْسِ مُخَالَفَتُهُ كَصُعُوبَةِ مَنْ لَمْ تَجْرِ عَادَتُهُ بِذَلِكَ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: فِي الْعَهْدِ وُجُوهٌ، أَحَدُهَا: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا أَظْهَرَ الدَّلَائِلَ الدَّالَّةَ عَلَى نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى صِحَّةِ شَرْعِهِ كَانَ ذَلِكَ كَالْعَهْدِ مِنْهُ سُبْحَانَهُ وَقَبُولُهُمْ لِتِلْكَ الدَّلَائِلِ كَالْمُعَاهَدَةِ مِنْهُمْ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَثَانِيهَا: أَنَّ الْعَهْدَ هُوَ الَّذِي كَانُوا يَقُولُونَ قَبْلَ مَبْعَثِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَئِنْ خَرَجَ النَّبِيُّ لَنُؤْمِنَنَّ بِهِ وَلَنُخْرِجَنَّ الْمُشْرِكِينَ مِنْ دِيَارِهِمْ، وَثَالِثُهَا: أَنَّهُمْ كَانُوا يُعَاهِدُونَ اللَّهَ كَثِيرًا وَيَنْقُضُونَهُ، وَرَابِعُهَا: أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا قَدْ عَاهَدُوهُ عَلَى أَنْ لَا يعينوا عليه

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 3  صفحه : 615
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست